19 December, 2011

سليمان (سله) قصاب و الشعب العربي السوري


 الشهيد شفان كتاني-عدنان موفتى- سليمان قصاب-سوريا 1982
بعد أن حصلت على شهادة الدكتوراه في جامعة ليفربول في بريطانيا أواخر 1974 بقيت أعمل مع الجامعة لمدة أربعة أشهر، وفي نفس الوقت وعِدت بمنحة لعمل بحوث لمدة ثلاث سنوات أخرى. ولكن في أواخر حزيران  1975أعلمتني إدارة الجامعة بأن موضوع المنحة لم يتم لأن مجلس البحوث الزراعية البريطانية  ARCقطعت نصف ميزانيتها بسبب الأزمة المالية عقب ارتفاع أسعار النفط، وعلى ما يبدو  اني كنت أحد ضحايا هذه الأزمة المالية ، أو كما يقول المثل الليبي (ركيك البخت يلكي بالرية عظم).
وفي هذه الفترة ضاقت بيّ الدنيا حيث لم أكن أملك جواز سفر عراقي ساري، كما رحل أهلي إلى إيران في اوائل 1974، وكانت حالتي المالية سيئة، وفي هذه الأوقات كانت الحكومة البريطانية تشدد على فترة الإقامة، لكن بعدها بأسابيع طلب مني رئيس القسم أن أذهب إلى ليبيا لمساعدة عميد عين لكلية الطب البيطري بجامعة طرابلس، ولم يكن بيطريا، حيث قابله رئيس القسم في اليونان أثناء مؤتمر الطب البيطري العالمي وتحدث معه حول استدعائي كمستشار لتأسيس الكلية الجديدة في طرابلس، لذا طلب مني رئيس القسم الذهاب إلى جامعة طرابلس لمدة ستة أشهر على الأقل حتى يجدوا لي منحة أخرى. وبالفعل قابلت العميد الليبي(د.ابو بكر الصقر) في لندن في تموز 1975 وبرسالة منه حصلت على فيزا من السفارة الليبية في لندن للذهاب للعمل وإنشاء أول كلية للطب البيطري في جامعة طرابلس. وكنت في حينها أول عضو للهيئة التدريسية في الكليه الناشئه وبقيت هناك لمدة عشرة سنوات.  
وفي تلك الأيام كان الاتحاد الوطني الكردستاني قد تأسس  في دمشق وكان الكثير من الكرد يتوجهون نحو دمشق للاتصال ومعرفة كيف تسير الأمور مع التنظيم الجديد، وكنت ضمن هؤلاء عندما وصلت دمشق  في أواخر تموز   1975 ففي تلك الفترة كنت بين خيارين: إما الذهاب إلى طرابلس للعمل أو الذهاب إلى دمشق حتى أكون  بين أصدقائي، حيث تشكلت الهيئة المؤسسة للاتحاد الوطني  وكان  في دمشق أكثر من خمسين كرديا يجتمعون لطرح  الأفكار والطروحات لهذا التنظيم الوليد، لقد كان هناك تطرفا نحو اليسارعند بعضهم، ولكني كنت في حينها مستمع: كنت أسمع أفكارا وطروحات جديدة لم أتعود عليها في  الحركة الكردية سابقاً: حيث لم يكن الوضع المالي للتنظيم على ما يرام، بما انعكس على أفراد التنظيم الموجودين هناك، ومن بين كل هؤلاء شخص كنت أحب أتكلم وأجلس معه وأحاوره بالأخص،  لأنه كان يتكلم على سجيته  واسمه سليمان القصاب (سله قصاب). 

وفي  أوائل تشرين الأول من نفس العام 1975 قررت الالتحاق بجامعة طرابلس وعندما ذهبت إلى ليبيا كنت بصحبة مام جلال خلال زيارته، واعتقد كانت تلك هي الزيارة الأولى أو الثانية له إلى ليبيا، وبقيت معه طيلة فترة وجوده في طرابلس في الفندق الوحيد الكبير هناك "فندق الشاطئ ". وكان هناك كل من المرحوم د.كمال خوشناو حيث كان يعمل مع شركة يوغسلافية، والدكتور جمال فؤاد الذي كان يعمل مع منظمة الفاو.  وأثناء وجودي في ليبيا دائما أسأل عن أحوال سليمان القصاب للاطمئنان، وبعدة فترة سنة أو سنتين عدت إلى دمشق لزيارة أخي عادل وأصدقائي (عدنان المفتي  ورزاق فيلي .وآخرين ) وقد جاء إلى مسامعي قصة عن سليمان القصاب وكيفية حصوله على رخصة قيادة سيارة سورية في محافظة الحسكة، ونسيت الموضوع في خضم الحياة.
وبالصدفة كنا نجلس مؤخرا في بيت صديقي عدنان المفتي في أربيل ، وكان هناك اثنان من زعماء  اكراد سوريا وفي الخلفية كان التلفاز السوري يلعلع بكلمات مثل (الجيش العربي السوري ,الشعب العربي السوري ) وهناك في سورية لابد ان يكون كل شئ  عربيا , كرديا كنت أو تركمانيا أو أرمنيا أو أية قومية اخرى فأنت في الوثائق الحكومية السورية مواطن عربي سوري  ؟! . هنا ذكرنا كاك عدنان بقصة سليمان القصاب، وكيفية حصوله على رخصة القيادة. وبعد جهد كبير استلم الرخصة وقد كتب في الجنسية بأنه عربي عراقي مما أثار غضبه، وبالتالي رفض استلام الرخصة قائلا لضابط  المرور بعربيته الركيكة (( يابه صدام حسين من زمان قال انتو أكراد مو عرب والعراق عرب و كرد ..أني ما يقبل و لازم تكتب كردي عراقي ))، وتعاطف معه ضابط المرور وأعطاه رخصة جديدة وباسم سليمان القصاب- كردي -عراقي، وحسب علمنا فإنه الوحيد في سوريا يحمل هذا اللقب.
والآن ونحن في العام 2011 الذي قارب على الانتهاء فقد اسقطت المعارضة السورية كلمة "العربي" واحتفظت بكلمة سوري فقط في حين لازال النظام يستعمل كلمة الجيش "العربي" السوري والشعب "العربي" السوري ...الخ ، وأنا كمقيم في بريطانيا منذ أربعة عقود أقول أنه لو أصدرت الحكومة البريطانية جواز سفر أو رخصة قيادة باسم بريطاني إنكليزي" ستقوم القيامة، ولا أود أن أذكر عواقبها لأنها وخيمة، وطريقة مخاطبة (ومعاملة) حكومة دمشق للشعب السوري هي "الطائفية بأم عينه و يا حبذ  لوتخطوا المعارضة السورية مواقف أكثر جرأة لتغيير الثقافة المشوهه ومنها هذه المفردات التي تشكل حاجزا نفسيا تحول دون التعاون والتنسيق المطلوب بين مكونات المجتمع السوري .
طالب مراد
كوردستان 20-12-2011

No comments:

Post a Comment