28 November, 2011

تاريخ القنادر في العراق

محمود المشهداني قال "ان اي قانون لايتوافق مع الاسلام اضربه بالقندره". هذا ماقاله رئيس البرلمان  حيث يملك كل السلطه وقوانين البرلمان  لحل اي مشكله ولكنه يريد ان يلجا للقندره لحل مشاكله. القندره له فوائد اخرى غير احتذائه حيث نحن العراقيين لنا فيه مارب  اخر حيث نستعمله في الحذف والسب وعلاقتنا بلحذاء غير واضح حيث اننا اذ قذفنا احدا بااكبر مسبه فسنقول له "ابن القندره" ونفس العراقي كان يقول "بي ولابالاحمري" حيث كان يقصد بان هو ياخذ الضربه و لاحذائه الاحمر "انفصام الشخصيه." للقندره قدر ومقام في كل العصور والمناسبات ولقد فتشت شرائع حمورابي عسى ان اجد ذكره في اللوائح لكني لم اجد له ذكر. ربما ذكره حمورابي في احدى البنود التي مسحها اجدادي العيلاميين من المسله .


لقد ارسل لي صد يق المقاله الموجوده ادناه للكاتب الجميل خالد القشطيني والذي يذكرني اسمه بالكيمر او الئشطه. هذا وقد ذيلت مقالة القشطيني بشي مشابه نشرته على صفحات صوت العراق الالكترونيه الغراء حول نفس الموضوع وقبل فتره من الزمن.

التاريخ القندري للعراق
خالد القشطيني
للعراق تاريخ طويل مع القنادر حتى ان احد العراقيين اصدر مجلة في لندن قبل سنوات بأسم " الحذاء" و كان لي شرف المساهمة فيها لا بحذائي فقط بل و بقلمي ايضا. وهذه مساهمة قندرية اخرى مني. لا اعرف السبب و لكن ربما نكتشف ان العراقيين كانوا اول من لبس قنادر في التاريخ او اول من ضرب المرأة بالقندرة. وهكذا تردد الحذاء  في تراثنا كثيرا. كان منها حكاية حذاء ابي القاسم الطنبوري. و قلما خلت قصائد عبود الكرخي من ذكرها. فكان مما قاله :
لسعته لسعة عقربه     شيل قندرتك و اضرب

الضرب بالقندرة من علائم الحياة الاجتماعية و الادبية عندنا. و كيف انسى تلك المعركة بالقنادر الي جرت بين بلند الحيدري و نجيب المانع عندما قال نجيب شيئا جرح به مشاعر الشاعر الذي لم يتردد بنزع قندرته ليضرب زميله الاديب الذي بادر هو الآخر لنزع قندرته بحيث جرت مبارزة فروسية بينهما بالقنادر. القندرة عندنا اعلى مراحل الاهانة. تقول لخصمك ابن القندرة ، او انت وقندرتي ، او قندرتي تشرفك! او والله لاحط قندرتي في (...) امك. وهكذا خلد اسم السيد ابو تحسين عندما نزع قندرته و ضرب بها صورة صدام حسين. و ذاع خبر ما فعله منتظر الزيدي و اصبح قدوة يقتدى بها في سائر انحاء العالم عندما رمى بقندرته في وجه الرئيس الامريكي. و بادر القندرجية في تركيا لتصميم قندرة سموها بإسم الزيدي.

يجهل الكثيرون ان تاريخ الدولة العراقية يبدأ بقندرة. حدثني بها عمي ابو محمود (القاضي و المحامي الكبير احمد القشطيني) عندما كان حاكم جزاء بغداد في العشرينات. ساقوا اليه لصا سرق شيئا من الجيش البريطاني. حضر ضابط انكليزي ليمثل الجيش. جلس في المقدمة ووضع رجله على الطاولة بحيث واجهت حذائه الحكم. اوعز لكاتب الضبط بأن يطلب من الضابط ان يتأدب و ينزل حذائه. فرفض قائلا انهم في بريطانيا لا يعتبرون ذلك اهانة. و لكنك ليس في بريطانيا و انما في العراق. و عليك ان تحترم تقاليد البلد.   العراق تابع لنا. و بالتالي يخضع لقوانيننا و اعرافنا. لم يعد العراق تابعا لكم. اننا الآن دولة مستقلة.  كلا انكم ما زلتم تحت الانتداب البريطاني. اذا لم تنزل رجلك و تحترم المحكمة ، فسأؤجل الدعوى و اغلق المرافعة. وهذا ما حصل. سمعت الصحافة بما جرى فضج ضجيجها . و تعالى الصياح بشأن هذا الاستقلال الكاذب الذي جاء به الملك فيصل. و توقفت سيادة العراق على بسطال ضابط. و تناقلت الصحافة البريطانية اصداء الحدث. حسم الانكليز الموضوع اخيرا باستدعاء الضابط و اعادته لبريطانيا و تعيين ضابط آخر احترم المحكمة و لم يضع حذائه في وجه عمي ابو محمود. وهكذا نال العراق استقلاله بقندرة جندي بريطاني.

غير ان الكثير من العراقيين ظلوا يشككون و يشكون من هذا الاستقلال. دخل احد رجال الثورة على المتصرف السيد القرداغي ( والد زميلنا كامران قرداغي) في قضية معلقة يريد حسمها. قال له في معرض ما قال: "لا تنس ياحضرة المتصرف انني من الرجال الذين ساهموا بتأسيس هذه الدولة. " فمد ابو كامران يده لينزع  حذائه و قال:   اذن فحضر راسك. لأني حالف يمين. بس اشوف منو هذا اللي عمل على تأسيس هذي الدولة ، لازم اضربه خمسين قندرة على راسه! " 

ميخ 20: حفيانين (الحفاه)
بقلم:ابو دارا --(طالب مراد)
Feb 21, 2003
صوت العراق
كان البريعصى (أبو بريص) يعيش في شقوق أقدام العراقيين الحفاه الذين لم يكونوا يعرفون الأحذية قبل وصول عائلة صدام إلى سدة الحكم في العراق  . هذا ما قاله أبو عدى و كرره المحروس عدى عدة مرات .

تذكرت هذا عندما كنت أقرأ خبر ملحق جريدة الحياة "الوسط" و ذلك بتاريخ 17/2/2003 و تحت عنوان " القاسم المشترك بين بوش و صدام" حيث ذكرت الصحيفة أن مصمم الأحذية الإيطالي الشهير "فيتو أرتيولى" هو مصمم أحذية صدام و بوش ، و قد صرح بأن الاثنين لهما نفس المقاسات و الذوق و أن أبو عدى اشترى منه 15 زوجا من الأحذية بقيمة خمسة عشر ألف دولار العام الماضي .

كنت أفكر في موضوع إدخال القنادر إلى العراق بواسطة هذه العائلة الكريمة و تعويد بل إجبار العراقيين على لبس الأحذية حيث كانت مكرمة أزلية سيتذكر بها هذا الشعب المقهور على أمره هذه العائلة . هل حقاً لم يكن الشعب العراقي يعرف الأحذية من قبل ؟ فماذا كانت تعني هذه الكلمات إذن :
( قندره، كلاش، كيوه، بابوج، قبقاب، يمنى، جزمه، بوت، بوتين، كاله، لابجين، بصطال، انعال، قبغلى، انعال أبو الإصبع، شحاطه، اسكاربيل،جم جم ، احمرى، بنتوف )

ألم تكن تعني هذه الكلمات العراقية القديمة بأكثر من لغة ولهجة ما كان يلبسه العراقيين في أقدامهم أم أنها كلمات جاءت مع العولمة و عائلة أبو عدى.

و أود أن أعرف ماذا كان شغل عائلة " القندرجي" ، هل كانوا يبيعون الكومبيوترات؟! وما شغل "الركاعين" ، هل كانوا يصلحون عجلات سيارات الفراري ؟ و ماذا كان شغل "الكشوانية" في المساجد و العتبات المقدسة ، هل كانوا ينزعون الأبو بريص المعشش في شقوق أقدام العراقيين قبل دخولهم إلى مقامات الأئمة.

و لمعلومات عائلة أبو عدى إذا كانوا يعرفون المثل "قيم الركاع في ديرة عفج" فإن هذا المثل ظهر لأن أهل عفج كانوا يحترمون أحذيتهم و لا يلبسونها دائما ، لأنهم كانوا يقولون : "بي و لا بالأحمرى ".


22 November, 2011

دروس وعبر من الازمه الصوماليه - طالب مراد


وصلت إلى مقديشو قبل عقدين من الزمن وبقيت فيها ثماني سنوات للعمل كمستشار ثم ممثل لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). وصلت صباح يوم جميل في اواخر 1988 وانبهرت بالبيوت الجميلة و المدينة الصغيرة الواقعة على المحيط الهندي؛ حيث أن البيوت كانت تطلى سنويا باللون الأبيض للحوائط و الأزرق للأخشاب وكان هذا أمرا إلزاميا. ولم يكن بالمدينة كلها سوى عمارة واحدة بمصعد كهربائي. هذه المدينة التي ارتبط بها أماني الشعب الصومالي وكانوا يحلمون بأن تكون عاصمة للصومال المنقسمة إلى خمس دول مثلما تؤشر النجمة الخماسية الزرقاء التي تتوسط العلم الصومالي.


بعد الحرب العالمية الثانية كان الشعب الصومالي مقسم إلى: الصومال الفرنسي،وهو جيبوتي الحالية ، وهناك الصومال البريطاني (شمال الصومال الحالية) أو ما يسمى بأرض الصومال، ثم الصومال الإيطالي وهى جنوب الصومال الحالية، وهناك المنطقة الشمالية الشرقية في كينيا، وأخيراً مقاطعة أوغادينا في إثيوبيا.
 
في أغسطس/ آب 1944 وبعد سقوط الحكم الفاشي في إيطاليا طلبت بريطانيا جمع كل هذه المقاطعات في دولة واحدة، لكن الأمريكيين رفضوا لأن حليفهم الإمبراطور هيلاسي لاسى في إثيوبيا كان معارضا للاقتراح البريطاني، و هذا ما سبب بعض المشاكل بين الدولتين الكبيرتين. و منذ ذلك الوقت وإلى الآن لم ولن ينسي الصوماليون هذا الموقف الأمريكي. فعداء الصوماليين للأمريكان له جذور تاريخية. والموقف الأمريكي بالنسبة للصوماليين يشبه موقف العرب من وعد بلفور البريطاني إذ لازال الكثير يحمل غضبا ضد بريطانيا بسبب هذا الوعد.

وفي أواسط 1960 أعطت كل من إيطاليا و بريطانيا الاستقلال لكل من الصومال الإيطالي و البريطاني، و لأول مرة اتحد جزءان من أجزاء هذا الوطن المشتت، و كونوا جمهورية الصومال و التي غدت عاصمتها مقديشو.

ويعد الشعب الصومالي من أكثر شعوب العالم تجانسا فجميعهم مسلمون، سنيون شافعيون. وأكثريتهم الساحقة كانوا و لازالوا رعاة ماشية وجمال. هذا التجانس يتضح في التقارب الشديد بين اللهجات المختلفة للغة الصومالية وذلك بعكس شعوب أخرى في المنطقة. ويمكن أن يعزى تشتتهم وعدم وجود كيان لهذه الأمة لكونهم رعاة رحل، وعادة فإن الرعاة الرحل أينما وجدوا ألا يكونوا كيانات سياسية بعكس المجتمعات الزراعية؟؟. و يملك الصومال أكثر من 60% من إبل العالم.

ومعروف أن الشعب الصومالي ليس شعبا عربيا، ولكن طموحات سياد برى وطمعه في الدولارات النفطية جعله ينضم إلى جامعة الدول العربية عام 1974 أي بعد 14 عاما من استقلال الصومال (أو بالأحرى الاتحاد بين الصومال البريطاني و الإيطالي). و جدير بالذكر أن انضمام الصومال إلى الجامعة العربية عاد عليها ببعض النفع كذلك بعض المكاسب الوقتية أو المحدودة مثل المزرعة ومعمل قصب السكر الذي بناه الكويتيون بمبلغ 80 مليون دولار في جنوب الصومال، وقد شاهدت شخصيا تفكيكه من قبل تجار الحرب المحليين عام 1992 في قسمايو الذين باعوه لاحقاً بمليون دولار كمخلفات معدنية لتجار الخردة، و تم شحنه كاملاً إلى ميناء مومباسا في كينيا.

و كان هناك مصفاة نفط في مقديشو بنيت من قبل العراق، لكنها ومنذ عام 1988 توقفت عن العمل وتهالكت مع الزمن. و أما مصر فقد أرسلت البعثة الأزهرية و التي ضمت حوالي 400 مدرساً، ثم وصل عدد كبير من المنظمات و المؤسسات من دول الخليج و هذه بدورها أدخلت الحجاب أولا، ثم النقاب، ثم المصائب كلها. علما بأن سياد برى جاء إلى الحكم وأنهى الحكم المدني عام 1969 وفي نفس فترة وصول الديكتاتور "عيدي أمين" إلى أوغندا و "العقيد القذافي" إلى ليبيا و حزب البعث إلى العراق وسوريا. كما حدث الانقلاب في السودان وتغيرات "تسلطية" كثيرة في المنطقة ككل، ويبدو أن الصراع بين الدول الكبرى أخذ يلقي بدوره تبعاته علي المنطقة.

فبعد انقلاب عام 1969 و مجيء الدكتاتور برى إلى الحكم، انقلبت الأمور رأسا على عقب في تلك الجمهورية الفتية، وركب برى موجة الحرب الباردة وتوجه إلى الإتحاد السوفيتي طلبا للسلاح و الخبراء العسكريين، بينما استمر الأمريكان في مساعدة الإمبراطور هيلاسي لاسي وتاليه منغستو هيلا مريام الذي وصل للحكم في إثيوبيا عام 1974. ومن ناحيته ركب هذا الدكتاتور الجديد في أديس أبابا هو الآخر موجة الحرب الباردة و تحالف مع الإتحاد السوفيتي ومن ثم احتد الأمر بين الدكتاتوريين الجارين، و نشبت حرب "أوغادينا" الشهيرة بين عامي 1975 -1977، واحتلت القوات الصومالية أوغادينا، ولكن وصول 50 ألف كوبي إلى إثيوبيا قلب الأمور رأسا على عقب، و ترك سياد برى أوغادينا بعد فشله فشلا ذريعا فأحكم قبضته أكثر على الشعب في الداخل(تماما مثلما فعل صدام حسين عقب مغامرته الفاشلة في الكويت). ونتيجة للحرب، تغيرت المعادلة: فقد اصطف برى مع الأمريكان أعدائه السابقين، بينما اصطف منغستو مع المعسكر الاشتراكي، و استمرت الأمور في التدهور من السيء إلى الأسوأ، وفى عام 1982 احتد الصراع بين الشمال (الصومال البريطاني سابقا و عاصمته هرجيسا) و الجنوب (الصومال الإيطالي) و دمرت طائرات سياد بري كافة مدن الشمال، و فر عشرات الآلاف منهم إلى إثيوبيا و اليمن. و استمرت الحروب القبلية المميتة تنخر بجسم الصومال حتى يناير 1991 حتى احتل الجنرال عيديد عاصمة مقديشو و هرب سياد برى و قبيلته و تركوا مقديشو (لتمر بما مرت به بغداد بعد سقوط صدام). و أقف عند هذا المنعطف حيث أتذكر جيدا و ذلك في أوائل عام 1989 حيث عين في ذلك الوقت وزيرا للزراعة جديد، وتصادف وجود مكتبي إلى جوار مكتبه في وزارة الثروه الحيوانيه والغابات بمقديشو و كان شابا تدل ملامحه على الذكاء، وذات يوم في جلسة صفاء معه بمكتبه (وقد كان من شمال الصومال ومن قبيلة اسحاق)، سألته لماذا لا يجلس الصوماليون مع بعضهم البعض ليحلوا مشاكلهم، فقال لي ما لم أتوقعه وهو أن عائلته في السويد منذ فترة وهو لا يهتم بالذي سوف يجري. فقد كان يعنى ما نقول في العراق "نارهم تأكل حطبهم".

الصومال و أمريكا:مرارة لها تاريخ
بعد هروب برى تدهور الوضع في الصومال إلى درجة كبيرة و انتشرت المجاعات في بلد فيه نهريين دائمين وثروة حيوانية تقدر ب50 مليون رأس وأراضى زراعية خصبة و ساحل طوله حوالي مليون ميل يطل على المحيط الهندي و الذي يعتبر من أغنى مياه الأرض بالثروة السمكية، مع كل هذا أصيب الشعب الذي لا يتعدى 6 ملايين نسمة بالمجاعة ومات عشرات الآلاف (وأنا شاهد على ذلك). فالمساعدات كانت آنذاك مقتصرة على بعض المنظمات الغير حكومية الأوروبية و شيء يسير من الأمم المتحدة. و أستمر الحال على ذلك وبعد نجاح كلينتون في نوفمبر 1992 بالانتخابات الأمريكية و فجأة و بعد شهر واحد من نجاح كلينتون، قرر بوش الأب إرسال 32 ألف جندي إلى الصومال واحتلت ميناء مقديشو (كنت حاضرا في الإنزال واقفا على شواطى مقديشو) و حضر آلاف الصوماليين لتسليم سلاحهم و لكن الأمريكان رفضوا بحجة أنهم جاءوا للمساعدة في توزيع الغذاء و ليس لنزع السلاح. يا للهول 32 ألف جندي لتوزيع الغذاء!

و بعد خمسة أشهر من الإنزال الأمريكي أي في عهد كلينتون في مايو/آيار 1993، سحب غالبية الجيش الأمريكي و بقى قسم قليل سلمت قيادتها للأمم المتحدة ولكن بشرط أن يكون ممثل الأمم المتحدة هو الأدميرال جوناثان هاو و ليس عصمت الكتاني الذي كان يكرهه عيديد لسبب لا أعرفه. ولكن جريدة (بلديق) أي جريدة الجنرال عيديد قد نعتته وقتها بأنه كردى وكأنه عيب أن تكون كرديا و مازالت احتفظ بهذا العدد من تلك الجريدة وعلى ما يبدو أن الأمريكان كانوا وراء هذا الموضوع. وتوطدت علاقتي بالجنرال هاو وكان صادقا للغاية عند النقاش في كثير من الأمور.

و في الثالث من أكتوبر/تشرين أول، 1993 قتل عيديد 18 جنديا أمريكيا، ونتيجة لذلك انسحبت أمريكا من المنطقة و تلتها الأمم المتحدة و باب التشابه هنا أن الجمهوريين قرروا إرسال قوات إلى الصومال بعد شهر من فوز الديمقراطيين والذين رفضوا الفكرة من قبل. وفى تلك الفترة العصيبة جلبت أمريكا إحدى ساحراتها إلى مقديشو لحل المشكلة ألا و هي ابريل جلاسبى (يا سبحان الله،التاريخ يعيد نفسه ولا يوجد جديد تحت الشمس) وبما أنني كنت ممثلا لمنظمة الأغذية و الزراعة في الصومال وكان دي مستورة (ممثل الأمم المتحدة في العراق لاحقا) ممثل منظمة اليونيسيف وكنا نحضر الاجتماعات الدورية في مكتب ممثل الأمين العام و كانت ابريل جلاسبى تحضر معنا تلك الاجتماعات،كنت أتمنى آنذاك أن أسألها عما كان يقال عن إعطائها الضوء الأخضر لصدام كي يغزو الكويت، ولكن المهنية كانت تتغلب على فضولي.

في أثناء فترة سياد برى، بنا الأمريكان سفارة كبيرة جدا على أرض واسعة في مقديشو و أحيطت بجدار ضخم حيث أستعمل فيما بعد كمعسكر كبير للقوات الأمريكية و التركية  و عدد من المنظمات الأممية (وكانت شبيهة بالمنطقة الخضراء حاليا في بغداد). وكممثل للفاو، فإن مكتبي و مخازن المكتب و الحرس الخاص كانوا في جراج كبير مجاور للسفارة البريطانية السابقة في وسط مقديشو و بقيت فيها سنوات الحرب الأولى (وبسبب موقعي بوسط المدينة كنت على علم بالحوادث التي تقع حتى قبل علم قوات التحالف بها).
 
لقد ترك الأمريكيون المرارة في فم الصوماليين مرات عديدة، ففي عام 1944 رفضوا فكرة الصومال الموحد وساعدوا سياد برى بكل قوة أثناء حكمه التسلطي لاحقا، ثم انزلوا القوات بعد سقوط برى ولكن لم يجمعوا السلاح، و أخيرا ساعدوا إثيوبيا على احتلال الصومال وأخيرا فشل التدخل الإثيوبي..هذا هو مجمل الدور الأمريكي في هذا البلد.

زار بوش الأب الصومال العام 1992 يوم الكريسمس – عيد الميلاد- والتقيت به وقتها، وكنت كغيري لدينا تصور وآمال حول جدوى التدخل الأمريكي ونراه أمرا جريئا، ولكن خاب أملنا وكثيرا ما أقارن تصوراتنا وقتها بالحال الذي آل له هذا الشعب المسكين، تماما مثلما كنا نظن بالحرب الأمريكية على العراق وخاب ظننا أيضا.

القرصنة و الصومال:ليست وليدة اليوم
لقد استهجن العالم عمليات القرصنة الأخيرة في مياه المحيط الهندي المقابلة للحدود الصومالية، و كثيرا ما يذكر في الأخبار أن القراصنة هم رجال البحرية الصومالية السابقين، وكما أرى على شاشات التلفاز فإن القراصنة أكثرهم شباب بينما انتهت البحرية الصومالية تماما منذ عقدين من الزمان، وبالتالي لا يمكن أن يكون هؤلاء من البحرية القديمة.
إن القرصنة و السرقة و النهب في المياه الإقليمية أو أعالي البحار المواجهة للصومال لم تبدأ منذ سنة أو سنتين كما يكرر البعض، بل إنها بدأت منذ سقوط نظام سياد برى؛ ففي ظل الفراغ السياسي في الصومال و سقوط الحكومة تُركت المياه الإقليمية لهذا البلد عرضة لأكبر عملية نهب من قبل بواخر (معامل) صيد الأسماك في دول كثيرة، منهما بواخر اليابانيين و الكوريين و عدد من الدول العربية و دول أخرى. وكنت شخصيا مسئولا عن الزراعة و الأسماك في ذلك البلد بعد سقوط سياد برى و إلى انسحاب الأمم المتحدة أواخر عام 1995.كنت أحلق فوق المياه الإقليمية الصومالية و أرى عشرات السفن تسرق موارد الشعب الصومالي في وضح النهار وفى مناطق قريبة جدا من الشواطئ الصومالية و لم يردعهم أحد، لا دول الجوار ولا الجامعة العربية و لا حتى الأمم المتحدة، بل وتم إبلاغي شخصيا أن أغض الطرف عن هذا الموضوع، أي أن أقوات وموارد الصوماليين كانت تُسرق في صمت لمدة عشرين سنة.وهذا بخلاف البيئة والثروة السمكية التي تأثرت- وبالتبعية يتأثر الانسان بها- بسبب تفريغ العديد من السفن من جنسيات مختلفة للنفايات على سواحل الصومال..هذا ما كان يحدث لعشرين عاماً وكنت وغيري نراه مرأى العين.


جمهورية أرض الصومال (شمال البلاد)
كما ذكرت سابقا فإن الصومال البريطاني (أرض الصومال)و الصومال الإيطالي قد اتحدا في عام 1960 في دولة واحدة هي الصومال الحالية بعد استقلالها، و هنا جدير بالذكر أن الحالة الاجتماعية و الثقافية في الصومال البريطاني كان أفضل مما كان عليه الحال في الصومال الإيطالي، وقد كان الصوماليين الشماليين وراء عملية الإتحاد إلا أنه على ما يبدو قد دخلوا في شراكة غير متكافئة و التي انتهت بجريمة تدمير الشمال عام 1982. و عند سقوط برى، سنحت الفرصة للشماليين في تنظيم أنفسهم و تشكيل (أرض الصومال)، وقد حظوت بحضور عملية رفع علم أرض الصومال في هرجيسا في عام 1991، و بالفعل هناك فرق شاسع بين ما هو موجود في الشمال و الجنوب. إذ أن العاصمة هرجيسا كانت مهجورة منذ عام 1982 و حتى 1991. و أتذكر جيدا عند تحليقي فوق تلك المدينة الكئيبة أنني لم أرى سقفا أو بابا أو شباكا ...نعم ؛فالمدينة كانت مدمرة تماما. و قد عاد بعض اللاجئين من إثيوبيا و كانوا يعيشون بين حوائط بيوتهم السابقة بلا أبواب تحميها، وكمثال فقط لتصوير الحالة المفجعة التي وصلت لها المدينة: حدث أن كانت الضباع تختطف المواليد الصغار من أمهاتهم ليلا (يوجد عدد كبير من الضباع في وسط المدينة والتي كان ينتشر فيها بشكل كثيف قوات سياد برى).


وأما "هرجيسا" فهي الآن منطقة عامرة ومتطورة وأمينة في تلك البقعة من العالم، ومع الأسف لم يعترف بها رسميا من قبل أي دولة، رغم أنها كانت منطقة ذات سيادة حتى العام 1960 واختاروا وقتها الاتحاد طوعا مع الجنوب.


الصومال إلى أين؟
تركت الصومال يوم الحادي والثلاثين من يوليو/ تموز العام 1996 وهو نفس يوم وفاة الجنرال عيديد.. وأفكر بكثير من الأسى في حال الصومال الآن، وغالب ظني أن الحل الذي قد يختصر المعاناة الحالية لأهل هذا البلد هو فيدرالية تضم أقسامه الخمسة ويترك للشعب الصومالي الخيار في الاتحاد لاحقاً.. ولم لا؟ فالصومال ينطبق عليه المثل القائل "ما ياخدك إلى المر هو الأمر" وإذا تعذر ذلك في الوقت الآني فعلي الأقل يتم الاعتراف بما هو واقع حالياً، وهو دولة "أرض الصومال" فهي الأكثر استقرارا من بقية المناطق، وربما يقلل هذا الاعتراف من الجهد المبذول عند محاولة حل مشكلة بقية مناطق الصومال.

ويعتقد بعض الكتاب أن الدولة المركزية كافية لاستقرار أي بلد، لكن التاريخ أثبت أن ذلك ليس ضامنا بمفرده لتحقيق السلم والأمن الداخلي، كما أن الأولى والأقرب للإنصاف أن تعترف الدول بخيارات الأقاليم والمناطق في شكل علاقتها معا ولا تفرض تصوراتها عليها.


نشر في بعض المواقع العراقيه والعربيه بتاريخ 12/12/2008