17 December, 2011

صدام حسين ينقذ حياتي - ميخ 5



ميخ 5:
صدام حسين ينقذ حياتي
كتب ونشر في اواخر 2002 في صوت العراق باسم ابو دارا(طالب مراد)

زميل من زملائي زار مؤخرا إحدى الدول العربية التي تأتي أخبارها في مقدمة الأحداث هذه الأيام  ، و عاد متعجبا أشد العجب من شعبية صدام حسين في بعض الأوساط الشعبية هناك ، و هو ما يذكرني بهذه القصة التي حدثت لي بالصومال أوائل العام  1996 .

كنت وقتها في مهمة عمل تابعة لإحدى الهيئات الدولية ، و ذهبت على رأس لجنة استطلاعية للوقوف على الأضرار التي أصيب بها فلاحو بعض القرى من جراء فيضان مدمر حدث في الجنوب ، وتدارك آثاره ، تحركنا من مدينة قسمايو الجميلة على المحيط الهندي و معي 3 زملاء أحدهم سوداني و الثاني من بنجلاديش  و الثالث فرنسي ، و أخذنا معنا عدة شاحنات نصف نقل - و كالعادة كان معنا  مسلحون لأغراض الحماية .

جنرال مورغان (الثاني على يميني) كان في استقبالي في فسمايو بعد اطلاق صراحي
و كوني رئيس البعثة و لعلاقتي الوطيدة مع الصوماليين أصر قائد مجموعة الحماية – و هو شخصية معروفة محليا _ً على أن يقود هو بنفسه السيارة التي تقلني .

بينما جلس بعض الحرس بالخلف بعد أن تركنا قسمايو بــ 50 كم شمالا ، دخلنا إلى قرية مررنا منها بعد اجتياز الإجراءات التي فرضتها إحدى الميليشيات التابعة لأحد أمراء الحرب  ، سمحوا لنا بالمرور ، و لكن في نهاية القرية لم يسمحوا لنا بالعبور إلى خارجها ، هنا أدركت وجود نية للغدر ، و يبدو أن المسلحين المرافقين لنا كانوا تابعين لميليشيات أمير حرب آخر و التي في حالة حرب مع مسلحي هذه القرية ، و ما أن هددونا بالسلاح إلا و  رفع السائق – قائد حراستنا و قائد سيارتي -  يده لأعلى مستسلما على الفور  و نزعوا سلاح مرافقينا !!!!!!!!

من سحنة و نبرة المختطفين و معرفتي المتواضعة باللغة الصومالية أدركت أنهم تحت تأثير مخدر ما و هو ليس القات بالتأكيد ، و حسب معلوماتنا فإنه كان يوجد مصنع للسكر بالمنطقة  كلف بناؤه المستثمرين العرب 80 مليون دولار  و كان  يحيط به  أراض زراعية مترامية  مستغلة  ، و لكن كل ذلك  توقف مع الحرب و تحول إلى أطلال و تم زراعة الأراضي بالمخدرات بدلا من قصب السكر ، و أدمنها عشرات الشباب ممن أصبحوا كوادر في الميليشيات المسلحة العديدة .

نزل الجميع من العربات و بقيت أنا و السوداني و البنجلاديشي و سائقنا الهمام رافعا يديه ، و لمدة ساعة و نصف يطلبون مني أنا بالذات  النزول و ما أن أخرج قدمي من السيارة إلا و يطلقون النار فورا فأتراجع ، ثم يهددون مرة أخرى فأعاود الكرة  ثم يطلقون النار فأتراجع ، أحدهم كان متحمسا لتفريغ مخزن عتاده في أجسادنا ، و كان يقصدني أنا  بصفة خاصة ، و من شدة إحباطه ضربني بظهر سلاحه و لازلت محتفظا بالقميص الذي تلون بدمي إلى الآن.

لقد غنوا للصومال وحمدو الله لنجاتي
كانوا يسألون عني رئيس المجموعة الحارسة لنا ، و عن عملي و جنسيتي ، كان يذكر  لهم ترهات لم يصدقوها محاولا بكل جهد حمايتي  ، كنت أعرفه و أخاه منذ سنوات و أثناء ذلك هدد أحد أفراد  حراستنا بالانتحار احتجاجا على ما بدر منهم تجاهي ، بعد أن خطف السلاح من يد أحد مسلحي القرية ،  و أطلق بالفعل رصاصة أعلى الرأس و شاهدت دخانها فوق شعره الملبد فروعت من الحدث ، ثم جاء الإلهام فجأة لصاحبنا الرافع يديه خلف مقود السيارة فصرخ في لهجة شجاعة مشيرا إلي قائلا :

هل تعرفون من هذا الشخص  ،  انه ابن عم صدام حسين !!!!!!!
و على الفور تغير الجو تماما ، و بدأت حفلة المصافحة و البوسات و الاعتذارات بالصومالية و بالعربية المكسرة  !!!!!!!!
و أهداني أحدهم عصا صومالية تقليدية دلالة على التكريم الخاص منهم ، و أهداني آخر كوفية للرأس و احتفوا بنا  و برئيس حراستنا الهمام !!!!
و هنا لاحظت عجوزاً  تضرب أحد المختطفين بكلتا يديها ؛ لما اقترفه في حق واحد من آل صدام حسين !!!

فار غضبي بل و ضربت أحدهم – ذلك المتهور الذي أراد قتلنا منذ قليل - و شتمته و مع ذلك سامحني إكراما لابن عمي صدام حسين !!!
و أصروا على أن نكمل طريقنا إلى خارج القرية لنصل إلى المنطقة المنكوبة محور مهمتنا و لكننا رفضنا تماما ، و رجعنا إلى قسمايو مساء و كانت البلدة كلها في انتظارنا و على رأسهم جنرال مورجن شخصيا ، و الحقيقة أن الساعات العصيبة التي مررت بها و بقائي رهينة في يد هؤلاء ، ثم أخيرا احتفاءهم المهول بشخصية صدام حسين هو ما جعلني أستبعد تماما خيار إكمال الرحلة .

لقد كان من المفترض أن أفرح تماماً مثلما كان حال زملائي و لكن أن تكون نجاتي عن طريق اسم صدام حسين بعد أن تركته بكل تاريخه الدموي في العراق منذ ثلاثة عقود فهذا حقا أكثر ما أثار حفيظتي ، فقد كان من الأرحم بي أن أموت على يد هؤلاء من أن ينقذني اسم هذا الطاغية .

هذه الواقعة نشرتها إحدى الجرائد البريطانية دون ذكر كلمة  السر العجيبة  التي أنقذتنا و بالطبع  لم يذكروا هويتي الأساسية .

إن صدام حسين في خندق واحد مع تجار الحروب في الصومال و غيرها ، و بالطبع ليس الشعب الصومالي المسالم ، و المطبلون له عبر العالم ليسوا بأفضل من هؤلاء ، هو  مثلهم تماما و لا يختلف عنهم كثيرا و لا قليلا  ، و على ما يبدو أن أمثال هؤلاء هم من قابلهم صديقي في البلد العربي الذي لازال يهوس لصدام حتى الآن  ، و الشبيه بالشيء منجذب إليه  .


No comments:

Post a Comment