03 December, 2011

نكتة «المواطنَة العراقية» أوكيف حصلت على شهادة الجنسية

نكتة «المواطنَة العراقية» أوكيف حصلت على شهادة الجنسية
بقلم/ طالب مراد 
إذا أردت ان تعرف عن صعوبات وعجائب الحصول على "شهادة الجنسية العراقية" فعليك أن تسأل كرديا فَـيليا عن ذلك، هذا إن وجدت واحدا منهم لتتكلم معه؛ لأن ابو عدي "خله طشارهم ما له والي" ، بل إنهم الآن وبعد اسقاط نظام صدام حسين في 2003 قد خرجوا من المولد بلا حمص.انهم من أكثر الفئات تعرضا للظلم قبل البعث وبعده أيضا. ولم يتم لا تعويضهم بعدل ولا انصاف، رغم مشروعية مطالبهم وهول ما لحق بهم من تهجير واقصاء وتنكيل بل وقتل جماعي.

(ولأخوتنا العرب فإن شهادة الجنسية تختلف عن بطاقة أو دفتر الجنسية المعمول به في أرجاء المعمورة)  ومعلومة أخرى لغير العراقيين فإن الشعب العراقي ومنذ 90 عاما مصنفون إلى تبعية عثمانية، وأخرى صفوية، كما يشرحها الكاتب كاظم حجاج في مقالته الجميلة أدناه. تقسيمات لا زال أثرها ساريا رغم اسقاط الديكتاتورية.

أما أنا شخصياً فقد حصلت على صك الغفران هذا في عام 1963، في قصة طريفة، وأعيد نشرها أدناه مع مقال كاظم الحجاج، وكانت قد نشرت سابقا في بعض المواقع العراقية ومنها موسوعة النهرين، بتاريخ 9/1/2003 حيث كنت أكتب باسم ابو دارا بسبب وظيفتي الدولية في حينه.

* هكذا أصبحت عراقياً- طالب مراد

منذ أربعين عاما، وفي نفس العام الذي جرى فيه الانقلاب البعثي على الزعيم عبد الكريم قاسم، كنت قد اجتزت امتحان شهادة البكالوريا مرتين، والسبب أن أسئلة الامتحان قد سربت وقتها بفعل فاعل لبعض الطلبة وتناقلتها الأيدي لاحقا مما حدا بالمسئولين لإعادة الامتحان في عموم العراق كله، ظهرت النتيجة وكنت من الناجحين، لم أكن سعيدا تمام السعادة فالأهم من النجاح وقتها وحتى الآن الحصول على ورقة شهادة الجنسية العراقية للالتحاق بالجامعة، ذهبت مع اثنين من أصدقاء الطفولة من الكرد الفيلية إلى مكتب الأمن العام والدوائر المنوط بها إتمام هذه المعاملة لنا، واستمر الحال لأكثر من شهر نذهب كل يوم لمكتب مختلف دون جدوى، حتى وصلنا إلى مفوض شرطة عراقي اسمه " أحمد " والذي ألقى أوراق المعاملة بكل ازدراء أمامنا منهياً كل آمالنا بقوله " يالله ... روحوا انتوا مو عراقيين ... وقانون الجنسية ما يطبق عليكم "، عدت لبيتنا مغتما، إذ ضاع لدي كل أمل في إكمال تعليمي بالجامعة، هدأت أمي من روعي، وجاء بعد قليل أحد أعمامي وكان تاجر صابون رگي حلبي بالشورجة ببغداد، فطمأنني طالبا مني الذهاب بعد يومين لمفوض الشرطة ذاته، وفعلا ذهبت إليه في الموعد ولم أصدق عيني فقد عاملني الشخص بمنتهى الأدب بل وأفسح لي مكانا بجواره وأعطاني شهادة الجنسية العراقية، عدت لبيت العائلة أحكي على عجائب الأمور التي حدثت وأبحث عن سر هذا التحول لدى عمي الذي قال أنه أرسل حقة صابون زنابيلي إلى هذا المعتمد فأتت بالنتيجة الفورية، نعم أربعة كيلوهات من الصابون حددت مصيري العلمي والعملي لاحقا !!

أما صديقاي : فالأول اختفى مع آلاف من الكرد الفيلية أوائل الثمانينات بينما كان الثاني يبيع اللعب في الأسواق ببغداد للإنفاق أثناء دراسته معنا في المدرسة، ومع ذلك لم يشفع له كفاحه هذا في مواصلة تعليمه ولعله لازال هناك يبيع اللعب على الطرقات والنواصي!

المهم أكملت دراستي الجامعية وذهبت إلى بريطانيا، وفي العام 1974 عادت السلطات العراقية وسحبت عني الجنسية ونشر الخبر في جريدة الوقائع العراقية، فأكملت حياتي بعد ذلك وقد عرفت سبب أخذي الجنسية العراقية وهو الصابون بارك الله فيه، ولكن لم أعرف حتى الآن ورغم مرور 28 عاما سبب سحبها عني، وهل من الممكن استعادتها مرة أخرى بأطنان من الصابون حسب تغير الأسعار والأهواء !! وسبحان مغير الأحوال!!
وما حدث معي ومع صديقاي مجرد مثال على العقلية التي تدير البلاد بالعراق حيث تخضع المعاملات الرسمية كلها لهوى القائمين عليها من أصغر موظف وحتى رئيس البلاد، يسحبون الجنسية عمن يشاءون، ويعطونها وقتما يريدون وبالطبع بمعايير حزبية ومالية خاصة بهم، ويخترعون للناس مواقيت ومحال ميلادهم، وحتى تصنيفهم عربا وكردا وغير ذلك، فهناك مثلا مئات الآلاف من العراقيين الذين خرجوا من بلادهم بوثائق سفر عليها تاريخ واحد هو الأول من يوليو ـ تموز وهذا دليل على مدى الامتهان الذي تعامل به سلطات البعث أبناء هذا الشعب إذ تحرمهم حتى من تسجيل يوم ميلادهم الحقيقي، هذا طبعا إن هي تنازلت وأعطتهم وثيقة رسمية تثبت عراقيتهم، فياترى كم من العراقيين تغيرت حياتهم بناء على تصنيفهم مواطنين من الفئة " أ " أو من الفئة " ب "، أو أعطوا شهادة جنسية أو حرموا منها لكنهم بقوا في العراق، كيف يعيش هؤلاء في بلد يرفض الإقرار بانتمائهم إليه يعيشون فيه منقوصين الكرامة، و يرفض حتى خروجهم منه ـ حيث اجراءات السفر هي الأخرى معقدة وتتطلب الكثير، كيف سارت الحياة بمن خرجوا من العراق فتلاعبت بمصائرهم الظروف والمهربون عبر الحدود أو حتى سلطات اللجوء في البلد الذي ألقت به الصدف أمامهم ـ هذا إن وصلوا لها سالمين ـ ، كل هذا العناء لمجرد أن بلادهم لم تعطهم وثيقة تقر فيها انتماءهم لها وتحترم هذا الانتماء وتبعاته عليها، وغير ذلك الكثير.

الآن والحديث عن عراق جديد بعد سقوط طغمة آل صبحة فإنه من الضروري سن قانون عادل ومنصف للجنسية العراقية، لا يفرق بين المواطنين على أي أساس واضعا إياهم على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، هذا ما نطمح إليه من القائمين على أمر العراق الجديد.
رابط:

** نهاية الاسبوع
 كاظم الحجاج
برزت أزمة المواطنة العراقية، مع تأسيس الدولة في العشرينات. فلقد اختلف العراقيون وتناحروا قبل سقوط دولة بني عثمان- على مَن سيكون ملكاً على العراق، مِن العراقيين؟ ولأن كلمة «ملك» تعني المجد والرفعة والنسب و«الامتلاك»، ولأن مغنّية الحي العراقية ناشزة الصوت دوماً! ولأن المرشحين الاثنين «شيعيّ وسنيّ»، هذا مرفوض من هذا وذاك مرفوض من هناك، فلا بد من حلّ يجنبنا تجريد سيوفنا، وسفك دمائنا – والدماء هي ضرورة لكل «شرف رفيع!»-. ولأن الانكليز كانوا حاضرين ومؤثرين، فلقد «اقترحوا» علينا رجلاً هاشمياً من الحجاز، كان الشاميّون قد رفضوه ملكاً عليهم حين أراد الانكليز «تمليكه» الشام، حتى لقد خاطبه شاعر شاميّ ساخر:
بفضلكَ أم بِفضلِ الانكليزِ/ دخلتَ إلى بلاد الشام (أيزي)!؟
  لكن الرجلَ الوقور دخل العراق معززاً مكرماً – بفضل الانكليز وبفضل خلافات العراقيين على ملك عراقيّ !-  

وهكذا استمر حكم العراق من أناس غير عراقيين، منذ نبوخذ نصّر أخر العراقيين القدامى!
فهل من الإنصاف الطلبُ من شعب أن يصير «وطنياً» وهو محكوم من رجال غيرعراقيين، حتى وان كانوا عرباً مسلمين. هاشميين؟! علماً ان العراق ليس كلّه عربيّاً، ولا كلّه مسلماً. هاشمياً؟!

ثم بدأت أزمة «الاوراق» - (عاصفة الاوراق) بحسب ماركيز - والأوراق الأهم هي «شهادة الجنسيّة العراقية»، فلكي يثبت العراقيّ عراقيّتهُ فلا بدّ من وثيقة تؤكد انه من «التبعيّة العثمانية»!

وبالمقياس القانوني لا التاريخي، فالتبعيّة العثمانية وثيقة احتلال سابق! وليست وثيقة مواطنة سابقة. اذ كان يمكن الاعتماد على شهادة شهود عدول من كبار السنّ من جيرانك، يؤكدون سكنك في القرية أو المدينة، منذ عشرة أعوام او أكثر، او من سجلاّت الدولة و«المخاتير»، ومن سجلاّت الخدمة المدنيّة او العسكرية.

والمفارقة الصادمة الأخرى هي: لكي يثبت العراقي «عروبته» فلابدّ من تخليه عن عراقيته، التي حاول بشق الأنفس اثباتها من قبلًّ!، بمعنى: أنك لكي تثبت عروبتك، فعليك أن «تعترف» بأن أجدادك هم من أصول نجديّة أو حجازية أو حتى يمنيّة - قحطانية عدنانية!. 

بمعنى آخر: كي نثبت عروبة العراقيين لا مفرّ من التأكيد على أن العراق هو بلد مهاجرين نازحين ولم يكن على أرضه شعب من قبل!!!! 

علماً انه بلد النهرين والحضارات الأولى بأهله وناسه القدامى. كما أن العراق قد شهد نهايه اخر دولة عراقيه مسيحيه «دولة المناذرة» قبل دولة العرب المسلمين بمئات السنين، وأن أرض العراق قد شهدت اول معركة بين العراقيين وبين الفرس «معركة ذي قار» قبل ظهور الإسلام بمئة عام تقريباً .

والمؤرخون الإسلاميون «يخبطون» العرب كلهم بتهمة «الجاهلية» وعبادة الأصنام ووأد البنات والربى والغزو والعصبيات، وغيرها من الشرور، في حين لم يكن العراق ولا مصر ولا الشام ولا اليمن ولا الخليج يعبدون الأصنام، اذ كان العراقيون واليمانيون والخليجيون  مسيحيون موحدين (نسطوريين)، وكان الشاميون مسيحيون موحدين (يعقوبيين) والمصريون مسيحيون موحدين (قبطيين)، أما عبادة الأصنام ووأد البنات والغزو والربى وزواج المحارم، فكانت كلها محصورة في قرية صحراوية اسمها «مكة» ! وكان لا بد أن يظهر الإسلام من تلك القرية الوثنيّة، وليس من سواها!!!!

 وأزمة العراقيين حتى اليوم، هي أنهم غير قادرين على إثبات «عروبتهم»، واثبات عراقيتهم، لأنّ هذه تناقض تلك وتعارضها، فهم «شعوبيون» احياناً، و«صفويّون» أحياناً. فحتى قبائل شمر وربيعة وعبادة وسواها لم تشفع لعروبة العراقيين، او حتى لتعريبهم، لأنها قبائل منقسمة بين التسنّن والتشيّع، فلم يعد الانتساب اليها ينفع في «السيطرات» الطائفيّة منذ ست سنوات!

 أنا شخصياً أملك شهادة تبعيّة «عثمانية» وهي تخجلني، فمتى يحصل العراقيون على شهادة جنسيّة «عراقية» ومن دون الحاجة إلى اثبات أن أجدادهم نازحون نجديّون أو حجازيون او حتى يمانيّون سعيدون

 




No comments:

Post a Comment