29 November, 2012

TAXI :5.... تاكسي قاهرة الثورة

القاهره-25.11.2012
وصلت مطار القاهره ظهر يوم الاربعاء 21.11 ومررت على روتين الخروج من مطار القاهرة  والذي تحسن كثيرا ؛ اعتدت على هذا الروتين منذ اكثر من ستة عشرة سنة. ولكن الذي لاحظته في هذه السفره بأنى لم اواجه بجمهور كبير حال  عبوري نقطة الجمارك. جمهور من اصحاب التاكسيات و اعتقد كل من ذهب لمصر  وجد نفسه بين هذا الحشد  من سائقى التاكسى والويل كل الويل اذا فتحت فمك وتفوهت بكلمة قريبة من اللهجات الخليجية حيث يؤدي الى مضاعفة الجمهور ,واما ما تتلقاه منهم محاولة منهم لجذبك ولو بالقوة الى تكسياتهم "التكاسي" فهذا امر اخر.
مما لا شك ان اوضاعهم الاقتصادية تدفعهم الى ذلك فالكل (عاوز يعيش). الغريب في هذه الزيارة لم تستقبلني الجماهير المعهوده ومع ذلك كان هناك عدد قليل  من ممثلي شركات السياحة واصحاب التاكسيات واخترت واحدا منهم وكان يبدو لي انه عزيز قوم ذل. أخذ مني عربة المطار بحقائبها الى  مراب سيارات حيث كان بانتظارنا سيارة وسائق تابعين لشركته السياحية  وسألته  عن سبب  اختفاء ظاهرة  الاستقبالات الحميمية لسواق التاكسي  قال " ياباشا السياحه عندنا كسدانه" وفكرت بان السياحة كاسدة الان حتى قبل ان يقوم السلفيين بهدم أبو الهول والاهرامات و ماذا سيحدث  لا سامح الله لو قامت قمم التخلف تطبق ما في عقولهم ؟ قام ممثل الشركة مع السائق بوضع حقيبتي في السيارة وهنا سلمته البقشيش "بريزه". على ما كان يبدو  ان عملية تسليم ( البريزه ) لممثل الشركة كانت مراقبة من على بعد من قبل امين شرطة (مفوض) وبعد جلوسي في السيارة وادارة السائق لمحركها خرج امين الشرطة من مخبئه وطلب من السائق كل اوراقه ووثائقه ومن دون النظر في الاوراق اخذ الوثائق وابتعد عن السيارة والسائق يتبعه ذليلا وانا جالس داخل السيارة بإنتظار من يأخذني لبيتي وبعد فترة ظهر السائق وبحالة يرثى لها حيث حصل على وثائقه من امين الشرطة  ودفع "ببريزتين "ولعلم القراء فإن ( البريزه ) تساوي عشرة جنيهات مصرية.
 
وقبل مغادرتي مطار القاهرة عرفت اثنان من مكتسبات الثورة اولها بأن السياحة ليست على مايرام وان  رشوات الشرطة لم تتضاعف بل اصبحت اربعة اضعاف على ماكانت عليه.
 
ان مرور القاهره لم يكن منضبط  في يوم من الايام ولكن على مابدا بأن احدى المكتسبات هي ان الضبط والربط  اصبح اقل بكثير على ماكان عليه. وصف سائق التاكسي  الضبط والربط بأنها " بح ".وصلت بيتي بعد جهد جهيد لائما نفسي على هذه السفرة. وفكرت بأني كيف ساقوم بما جئت من اجله قبل سفري الى لندن خاصتة ان الاماكن التي يجب ان ازورها تتمركز في وسط البلد. وما زاد الطين بلة هي القرارات الاخيره لرئيس الجمهورية والتي زادت من الارتباك خاصة فى وسط البلد وهي الاماكن التي ارتادها وفيها اكثر دوائرالدولة.
حال دخولي البيت كانت ماجدة في البيت حيث رتبت البيت بانتظار وصولي وحتى قبل تحضير كوب الشاي و كالعادة اخذت تمطرني بالمكتسبات الاخرى وتخبرني بأرتفاع ا سعار المواد الغذائية مادة مادة وعرفت منها ان كيلو لحم الغنم وصل 65 جنيه اي ان المرتب الشهري لامين الشرطة الذي قابلناه في المطار تتيح له شراء اربعة اوخمسة كيلوات من اللحم والرشوة التي اخذها من السائق تمكنه  من اقتناء 300 جرام  لحمة هذا لو كانت اللحمة من المتطلبات الاولية لعائلته.الخبر المفرح  الوحيد الذي سمعته منذ وصولي من ماجدة هو ان سعر الطماطم"اوطه" قد انخفض كثيرا بعد ان وصل منذ شهرين الى اكثر من 10 جنيهات للكيلو في الاحياء الراقية و 8 جنيهات في الاحياء الفقيرة  واعتقد ان رئيس الجمهورية  محمد مرسي كان قد ذكرانخفاض سعر ( المانجو ) وهنأ الشعب المصري في احدى خطاباته وطلب منهم استهلاك كميات كبيره من المانجو لرخصها وتوفرها.
وصلت البيت بعد الظهر وبعد استراحة بسيطة ألتقطت شنطة الكومبيوتر واستقليت تاكسي من تحت العمارة متجها الى كوستا كوفي الاصلي  وهوغير ريكا المزور و الموجود في اربيل. من هنا ستبدأ رحلاتي وجولاتي مع تكسيات القاهرة رحلات ومشاوير استمتع  بها  وفي خلال ايام يمكنك ان تتعرف على كل مايدور في مصر وبعيدا عن وسائل الاعلام التي ينقصها المصداقية في كل الدول العربية.
دائما ما اتذكر ابي رحمه الله  منذ اوائل الخمسينيات انه كان يجالس الراديو التلفونكن الالماني لساعات يسمع كل شىء ولكن الاخبار كان يستقيها من اذاعة لندن او اذاعة اسرائيل فقط لان البقية غير صادقين. الان بعد حوالي ستين سنة على ذلك افتخر بأن رجل امي مثل والدي كان يعرف كل ما كان يدور من حوله من الراديو وكان يقدس التعليم والجامعات و كان المحرك الاول والاخير وراء دراستنا كلنا رغم قصر يده. مازلت اتذكر ذلك الراديو التلفونكن  الالماني ذو العين الساهرة ودوره في تنوير بيتنا وحياتنا.
رجوعا  للتاكسي وذهابي الى كافتريا كوستا بعد وصولي للقاهرة بعدة ساعات حيث انا على موعد مع النت بواسطة كومبيوتري السوني اي انه بعد نصف قرن او اكثر قد استبدلت راديو ابي بجهاز كومبيوتر واجالسه لساعات" لاجديد تحت الشمس."
الايام الخمسة التي قضيتها في القاهرة ورغم ابتعادي عن وسط البلد ومقهى جروبي في شارع طلعت حرب الا انني استعملت التكسي لتنقلاتي بكثرة. العجيب ان اي سائق تاكسي لم يسألني سؤالهم المعهود وهو : حضرتك من فين ؟ وهذا ما دفعني انا لسؤال احد السائقين لماذا لم يسألني عن بلدي وردني قائلا"اليوم اكثر ركابي كانوا من سوريا وفلسطين ودول عربية اخرى لاداعي للسؤال عن بلدانهم لانهم كلهم زي بعضهم يا الله"  ولم يتمكن  من اخفاء علامات الاستياء عن وجهه. في الاثنى عشر سنة التي كان مقر عملي في القاهرة وحتى عام 2008 كانت عندي سيارة دبلوماسية وسائق ومع ذلك كنت مرات استعمل التاكسيات ومن بعد 2008 و حتى   الان استعمل التاكسي اثتاء زياراتي لبلدي الثاني مصر  ومنذ ان وطأت قدمي هذه البلاد وحتى الان وبدون استثناء كانت راديوات التاكسيات  تذيع خطب دينية او قراءة القرآن الكريم وكنت دائما اتحايل على السائقين للتقليل من الصوت ولم اتجرأ يوما بأن اطلب من احدهم ان يطفىء الراديو لان ذلك من الخطوط الحمراء طالما انا جالس في سيارته. اما في هذه السفرة فلم اسمع بتاتا وفي اي تاكسي مما كنت قد تعودت عليه لسنوات. ولكني لم اجرؤ لسؤال السائق عن اسباب التغير هذا؟
ظهر الجمعة الماضية استقليت تاكسي ليأخذني الى بيتي ففوجئت بأن السيارةكانت تهتز نتيجة لارتفاع صوت الراديو الى درجة ان التلاوة كانت غير واضحة وكان السائق شابا "ستريت وايز" فطلبت منه اولا ان يخفض الصوت لان الصوت العالي يؤثر على حاسة السمع فنظر الى الخلف حيث كنت جالسا واعتقد بأن ربطة عنقي وشعري الاشيب وجاكيت بليزر الذي كنت ارتديه اقنعته بأنني دكتور  واعتقد بأنه اقتنع بنصيحتي الطبية وخفض الصوت الى درجة مقبولة وبسرعة تبرعت لوجه الله  بنصيحة طبية اخرى اذ قلت له بأن الاصوات المرتفعة لا تؤثر على حاسة السمع فقط بل تؤثر على قابلية التكاثر عند الرجال وبسرعة البرق اطفاء الراديو ونظر الى الخلف مستحسنا نصائحي الطبية المجانية , وعبر عن شكره لنصائحي عمليا عندما رفض ان يأخذ مني اجرته ولكني تركتها له على الكرسي وودعته.
من احدى اسباب  سفرتي الحالية لمصر هو اني كنت بحاجة للذهاب الى مكتبي القديم "الفاو" والواقع قرب وزارة الزراعة  في  حي الدقي للحصول على ما جد حول موضوع المياة في منطقة الشرق الادنى حيث انني سأذهب من القاهرة الى لندن لحضور اجتماع ينظمه مجلس اللوردات البريطاني وتحت رئاسة الامير حسن.
في السنوات الاولى لوصولي الى القاهرة كانت الرحلة اليومية من بيتي لمكتبي في الدقي  تستغرق اقل من نصف ساعة  اما الان فالرحلة  تأخذ اكثر من ساعة رغم السرعة التي يقود بها "تاكسيات"القاهرة سياراتهم والتي تحسنت نوعياتها  كثيرا. لذا احتمالات الحديث مع السواق كانت كثيرة ومتنوعة ففي زيارتي الاولى للمكتب  بعد يوم واحد لوصولي الى القاهرة  كان راديو التاكسي موجها لاذاعة اخبارية وذكر المذيع بأن احد المسئولين الايرانيين قد صرح بأن الصواريخ التي اطلقت من غزة كانت ايرانية. وهنا ألتفت السائق العجوز الى قائلا " امال الفلسطينين عاملين دوشه ويقولون بأن الصواريخ دي من صنعهم اي والله القرعة تتباهى بشعر اختها". وكان على ما يبدو ان موضوع الفلسطينين وغزة سيكون حديث الساعة في التاكسي. واستمر في حديثه متهكما على احتفالات الفلسطينين في غزة  بمناسبة انتصارهم على اسرائيل وقال  ان الغزاوية يذكرونه بأحمد سعيد في حرب الايام الستة عندما كانت اسرائيل تدمر قواتنا الجوية ولكن احمد سعيد كان يصرخ بأن الطائرات الاسرائيلية تتساقط  كالذباب وبأعداد خيالية. وقال " اقولك على حدوتة حول موضوع غزه واسرائيل". فقلت له تفضل والقصه التي قالها لي كنت قد سمعتها في صغري ولكني نسيتها وسردها بطريقه مؤدبة تختلف عن الطبعة العراقية ولنفس الحدوتة. قال كان في احدى احياء القاهره واحد بلطجي ظالم يهابه اهل الحي جميعا وكان مغرما بسيدة متزوجة جميلة وفي احدى الايام قرر ان يدوس على كافة الاعراف واخذ مطواة ودخل بيت السيدة ووجد زوجها في البيت وارتعب الزوج عندما رأى البلطجي وهنا اخذ البلطجي قطعة من الفحم ورسم دائرة وسط حوش البيت وقال للزوج"لو تخرج من الخط  ده لادبحك" وسحب السيدة المرعوبة الى غرفة النوم واغتصبها. عندما انهى  البلطجي عملته المشئومة ترك البيت لتواجه الزوجة المسكينة زوجها الذي لم يدافع عن شرفه  وهنا غضب الزوج موبخا زوجته لاتهامها له  بعدم الدفاع عنها قائلا بأنه قد اخرج قدمه من الدائرة عدة مرات عندما كان البلطجي في غرفة النوم وانهى قصته ملتفتا لي قائلا يااستاذ اكيد انت عارف البلطجي والسيدة المسكينة والزوج الجبان الكلمنجي.


No comments:

Post a Comment