12 January, 2013

العوده الى القاهره - TAXI 6

بعد انتهائى من مهمتى فى بريطانيا و بقائى لفترة مع عائلتى التى حرمت من وجودى المستمر معهم نتيجة عملى المتنقل لعقود بين بلدان العالم الثالث ؛ سافرت الى القاهرة على متن طائرة مصر للطيران و للامانة فأننى افضل الطيران دائما على مصر للطيران من اربيل الى القاهرة ثم لندن و العكس ؛ اتيت الى القاهرة لامكث بضع ايام لرؤية اصدقائى و احبتى الذين ارتاح لهم و لحبى العميق للشخصية المصرية حيث ان الصديق بها كما يقول المصريون ( صاحب صاحبه ) ؛ اثناء جلوسى فى الطائرة قادما من لندن رأيت لاول مرة مضيفة ترتدى الحجاب كنت اجلس على المقعد الطرفى بجوار الممر و كانت المضيفة دائمة الحركة فى الممر الى درجة انها كنت تصطدم بكتفى فى الذهاب و الاياب و هذا ما لفت نظرى لها لانها ذكرتنى بالنحلة النشيطة دائمة الحركة و كانت مشغولة بتوزيع استمارات وصول المطار على الركاب و حين اتى دورى سألتنى بحدة قبل ان تعطينى بطاقتى : ( انت مصرى و لا اجنبى ؟ ) وللحقيقة قد صدمت بطريقتها الجافة فى السؤال و دهشت اكثر من سؤالها و اردت ان اصحح لها طريقة عملها و نصحتها ان تسأل الركاب ب ( هل انت مصرى ام غير مصرى ) ولا داعى لكلمة اجنبى و ذكرتها ان فى ايام الطاغية صدام عندما ينادون مصرى بأجنبى او يصفونه بذلك كان يعاقب العراقى على هذه الكلمة و بدل ان تشكرنى على تنبيهها تمادت و قالت بجفاف ( ألا تعلم اننا بعد الثورة كل شىء تغير عندنا فى مصر ؟ ) ثم سألتنى اذا كان عندى جوازين ( اى جوازين سفر ) و اخبرتنى انها تملك جوزاين  و رددت عليها وسط انتباه الركاب بأن ما يبدو انها لديها جوزين ( اى زوجين ) و اختفت و لم اراها بعد ذلك فى الممر.
بعد مغادرتى الطائرة لم اجد العدد الهائل من سائقى التاكسى الذين كانوا يستقبلون الركاب امام المطار كما السابق و هذا دليل ان السياحة لم تسترد عافيتها فى مصر ؛ استقليت تاكسى للذهاب الى البيت و كالعادة بدأت اسئلة السائق التى اعتدت عليها لكثرة تكرارها ثم بدأت انا اسئلتى عن اسعار اللحوم و المعيشة و الخبز و انابيب الغاز و كل ما يخص و يهم المواطن فى مصر ؛ دائما سائق التاكسى فى مصر لا يتكلم فى السياسة مباشرة لديهم طرق خاصة و تشبيهات خاصة فى الكلام و اخبرنى السائق بأن زمان قبل ايام الربيع العربى اى قبل الثورة فى تونس و مصر و ليبيا و اليمن و على حد تعبير السائق و ان شاء الله قريبا سوريا تدخل فى الربيع العربى اخبرنى ان شيوخ الاخوان و السلفيين و كل ما على شاكلتهم كان وجودهم قبل الربيع العربى فى المساجد و باقى افراد الشعب يعملون فى كل مجالات الحياة كالتجارة و و السياسة اما الان فقد جلبوا الناس الى المساجد و حلوا محل الناس فى التجارة و السياسة و كل وظائف الدولة و اعتبرت هذا من احسن التعبيرات التى قيلت عن الربيع العربى فلقد لخص الوضع فى جملة ؛ قبل نهاية حديثى معه قال لى بعد ان عرف اننى من العراق انه يتمنى السفر الى العراق وظل يردد ( ياريت الواحد يلاقى سفرية للعراق ) و لاول مرة منذ سقوط صدام اجد من يحسدنا على ما كنا فيه و ذكرته بأننى عندما كنت اخبر احد اننى من العراق كان يقول لى العراق يعنى ضرب و احتلال و صراع و امريكا و قتلى قال لى : و لكنها مرحلة و مرت عندكم فى العراق اما نحن فنخاف مما يحمله لنا المستقبل.
فى صباح اليوم التالى استقللت تاكسى للتوجه الى شارع الاصلاح الزراعى فى الدقى حيث مقر وزارة الزراعة و مكتب منظمة الاغذية و الزراعة ( الفاو ) و الذى عملت به لمدة 12 سنة كان السائق نبيها فسألنى اذا كنت اعمل بالزراعة او لى علاقة باى عمل مرتبط بالزراعة ؟ اخبرته بأننى كنت مستشار اقليميا فى المنظمة و انا حاليا متقاعد و على عكس القوانين كان يدخن فى داخل التاكسى بعد ان استاذننى فى التدخين و بعد ان سحب نفس طويل من سيجارته ألتفت لى فى الخلف و قال : ( تخيل ان مرشد الاخوان و الحاكم الحقيقى لمصر طبيب بيطرى و رئيس وزراء مصر الحالى زراعى و اخصائى مياه فأستبشرنا نحن المصريون خيرا بأن اسعار اللحوم سترخص و اسعار الخضروات و لكن حدث العكس ) تعجبت بأنه عرف ان مرشد الاخوان طبيب بيطرى لانى اعرف بالفعل انه كان يعمل استاذا فى جامعة بنى سويف فى كلية الطب البيطرى و قد قابلته مرة او مرتين انذاك عن طريق صديقى دكتور فاروق الدسوقى رئيس الجمعية البيطرية المصرية.
و عند عودتى للمنزل ركبت تاكسى للمعادى و بما ان المسافة طويلة بين الدقى و المعادى و نظرا للاختناقات المرورية التى تشهدها شوارع القاهرة بالاضافة الى مظهرى الذى يوحى للسائقين بالثقة نظرا لشيبة شعرى التى تمنحنى لقب ( عم الحاج ) على حسب وصف المصريون ظل السائق يحدثنى عن الدستور و عن التزوير الذى حدث فى الاستفتاء واقسم لى يمين بالله ان ابنته تعمل فى مركز اشعة يملكه رجل اخوانى - و ذكر لى اسم المركز – انه ليلة الاستفتاء طلب منهم صاحب المركز ان يتوجهوا للجان و يقولون نعم للدستور مقابل 50 جنيها للفرد و اخبرهم انه سيحضر لهم اتوبيسا لينقلهم الى اللجان ؛ و عندما استفسرت و سألته كيف يضمن ان ابنته ستقول نعم ؟ ابتسم و قال: كانوا يعطوهم نموذج مطابق لنموذج الاقتراع مؤشر بنعم يخبؤنه و يضعونه فى الصندوق و يخرجون بالنموذج الثانى خالى بدون اى مؤشر ووصل به الامر انه هدد العاملين معه بالفصل اذا لم يذهبوا للاستفتاء ؛ سألته هل اخذت ابنته ال50 جنيها قال نعم اخذتها و اشترت بهم شنطة.
 


03 January, 2013

كيف خرب صدام حسين الجيش العراقي!

ميخ( مسامير الكورديه) – 17 -جماعة الطين
 9.2. 2003( نشر في صوت العراق)
منذ أيام قرر صدام حسين إلغاء القرار 115 و الذي ينص على قطع أذن الفارين من الخدمة العسكرية ، هذه العقوبة المستمدة من عقوبات مسلة حمورابي الشهيرة قبل 3845 عام ! . تذكرت و أنا أقرأ هذا الخبر أيام كنت مجنداً في الجيش العراقي منذ أول كانون الثاني عام 1970 ، و لتسعة أشهر ، حيث ألغى نظام البعث وقتها لأول مرة الرتب العسكرية لضباط الاحتياط من حملة الشهادات الجامعية ، و إلحاقهم بالوحدات العسكرية كجنود ،
بينما أعطى صدام حسين في المقابل رتبة نائب ضابط " تنكة " إلى الأميين و خريجي الابتدائية من الموالين لحزب البعث ، ثم تم ترقيتهم بعدها بشهور إلى ضباط ، هؤلاء الآن يتربعون في مناصب رفيعة بقمة الجيش العراقي .كنت قد أمضيت شهري تدريب في أوحال الكوت ، و انتقلت بعدها إلى وحدة جبلية في الموصل (معسكر الغزلاني) ، و هي وحدة كانت مهمتها تهيئة و تدريب البغال التي كانت تحمل العتاد و الجنود إلى الجبال الكردية ، حيث تلاحق هناك من كانوا يسمونهم العصاة ! .
و كان وجود أمثالنا من المتعلمين في الجيش العراقي برتبة جندي أول محاولات البعث لتخريب الجيش العراقي من الداخل و جزء من مؤامرته على الجيش و المتعلمين معاً ، فقد كنا إداريا تحت سلطة رتب أعلى منا من الأميين ، بينما تقنيا كنا مسئولين عن مهام عدة و نرأس هؤلاء و لنا حق توجيههم و عقابهم !
كان يحدث أحيانا أن يتقرب لي بعض الضباط و يتباسطون معي ، رغم أنهم في رتب أعلى مني ، و خاصة أن أحداً لم يكن يعلم إلى فترة كوني كردياً .
كانت البغال و الدواب التي أشرف عليها ضمن وحدة عملي ، و تضم نحو600 بغلاً ، موزعة على خمسة سرايا من إسطبلات مبنية من اللبن( طوب مجفف باشعة الشمس) و الطين ، يجرى ترميمها دورياً ، و لاحظت أن هناك بعض الجنود يعملون ليل نهار في هذه المهمة ، غارقين إلى وسطهم في الطين يمزجون التراب بالتبن و الماء بألبستهم الداخلية فقط ، ولا يتغيرون ، كانوا نحو 40 شخصاً ، سلمت عليهم ذات مرة بالكردية ، ردوا السلام مندهشين ، تكرر ذلك كثيرا ، إلى أن جاءني أحدهم محيياً و بالطبع مستفسراً ، عرفته بكوني مثله ، استبشر خيراً و روى لي قصتهم ، قصة " جماعة الطين " !! . بهذا اللقب كانوا ينادون الأكراد المجندين في هذه الوحدة بالجيش العراقي و الذين كانت مهمتهم تقتصر على ترميم و بناء
إسطبلات البغال ، بل تكاد تكون هذه المهمة في تلك الوحدة قاصرة على الأكراد ، و عرفت أيضاً أن 16 شخصا منهم محبوسين بحجج واهية ، و لم يحصل أي منهم على إجازة ، حتى عندما ينتابهم المرض ، و هو محتمل جدا في ظل الظروف اللا آدمية التي كانوا يعملون بها ، لم يكن ليحول أي مريض منهم إلى المستشفى العسكري بسهولة بسبب تعنت الضباط و المسئولين ، و غالبا لا يحصل من يكشف بالمستشفى العسكري على أي توصيف أو علاج لمرضه أو حتى إجازة للراحة ، و كنت أصرف لهم سراً الأدوية و المضادات الحيوية المخصصة لعلاج الحيوانات أصلاً ، لعلاجهم من الأمراض و الجروح التي كانت تنتج عن السلاسل التي كانوا يقودون بها الدواب .
هكذا كان يتعامل الجيش العراقي مع شركاء الوطن ، و يجب أن يكون الجيش في العراق الجديد لكل العراقيين ؟؟؟؟؟؟